القائمة الرئيسية

الصفحات

قَلب مُتَقِد/ آية أحمد حسن.

آية أحمد حسن

في إحدى ليالي الصيف بينما أنا جالسة في بيتي الصغير أمام الموقد، جليستي وحيدتي وحدتي وقداحتك التي أشعلت بها آخر سيجارة وأشعلتني.

لم أُحب الصيف يومًا رغم أنهُ يشبه قلبي، مُتقد دائمًا في اشتعال ما عرف للنسيم درب!

لا أنسى تلك الليلة، كانت أول ليلة بعد سفرك إلى بلاد الصقيع لم يعلم أحد أنْىّ لك ذاك الاختيار؟ دعني أُخبرك يا شِق القلب بأن كل مِنا يلجأ لمن يشبه قلبه! 

سافرت عني وذهبت لتلك الدولة المدعوة بالدولة ذات الجليد ولِما الكلفة؟ كان بإمكانك الشعور بذاك البرد القارص حين تضع يدك على صدرك فذاك المُختبئ الجبان بداخلك هو الصقيع!

كُنا في ذات البيت ولا نلتقي كيف للجليد أن يصمد أمام اللهب؟ كيف للبارد الجبان أن يتجسر ويُجابه الدافىء المِقدام؟

رحيلك، بياض وجهك، وذاك اللؤلؤ القابع داخل ثغرك ما يلائمهم سوى زمهرير.

بقائي، وحمرة وجنيتيّ، وأحمر شفاهي ما طمحوا سوى قبلة جبين منك.

كلٌ منا يا شقائي يلجأ لمن يُشبه قلبه.

عندما حلّ عليّ الشتاء دونك كان يدفئني قلبي، وموقدي، وقداحتك التي كانت تحتضن يديّ، كم وددتُ بيديكَ رغم بُعدهما وبُرودتهما!

لا أعلم كيف مضت الأيام دونك، لا أعلم كيف أَمْضَيتَ أيامك دوني! هل مَضت على مَضضٍ أم أنك استساغتها!

مازلنا في الشتاء أم أن الصيف قد حل؟

وما يُدري الموقد أنه لابد أن ينطفئ ما دام قلبي مُتقد؟

نظرت من شُرفتي إذ بالأمطار تهطل لكني والله لم أُدرك أكانت أمطار المزون أم أمطار عيني!

لكني ما لبثتُ حتى ركضتُ فَزِعة إلى غُرفتي.

عجبًا كم أصبحت أهرع من الشتاء خوفًا من أن يُذكرني بك رغم أنني كُنتُ أهواه!

نار قلبي ولهيب الموقد وتلك الآهات المتناثرة في أرجاء غرفتي جميعنا جُلساء الصمت الفَتَاك.

هاتف البيت أضحى مأوى لأهون البيوت.

لقد اشتاق الهاتف لسماع صوتك اللين وتاقت إليك مسامعي التي لطالما طَرُبت بصوتك الرخيم.

جحظت عينيّ من مراقبتي للهاتف في انتظار مكالمة منك يا حبيب مسامعي لكن الزائر لم يكُن مُرحب به شُل قلبي وشُق.

إذ بالهاتف يرن وتنصت أذنيّ لصوت فتاة ما ألفتهُ أبدًا (حقيقةً لم تألف مسامعي أي صوت بعد صوتك) لكني لستُ أعرفها.

-مرحبا أيتها السيدة علمت أن زوجك المدعو قد رحل فأنا أعلم كل شيء أنا صديقة طفولته….

تتبع الفتاة حديثها عنك! أنى لها هذه الجرأة كيف تعرف عنك ما لا أعرفه أنا؟ كيف لها أن تتغنج عند النطق باسمك؟ من تلك الشمطاء رديئة العربية عديمة السجع! ولماذا تبكي؟ هل كانت حبيبتك يا شق قلبي؟ 

-سيدة هل عرفتيني لقد حضرت زفافكما مُنذ سنين أعتذر على إزعاجك سأعاود الاتصال مجددًا الجو هنا صقيع سأغلق الهاتف لكننا على لقاء!


صيقع! إنها هي الصقيع! هي التي سلبتني دفء حياتي وأوقدت النار في قلبي ولأنه يشبهها رحلا سويًا إلى بلاد باردة بلا دفء!

آه يا إلهي لقد حل الصيف مجددًا أما آن لهذا الموقد أن يطفأ! لحظة لقد اشتعل البيت ومازلنا في الشتاء لقد فاض قلبي من اللهيب وأشعل في البيت!


أنا الآن جثة هامدة مُتقدة أطفأها نحيب الغيوم على وجدي ولوعتي ستظن أن التي كتبت هذا الكلام يديّ كلا! بل كانت روحي الهائمة التي رحلت الآن بجوار الغيوم أحبائها من شهدوا على وحدتها وصبابتها.


بقلم الكاتبة: آية أحمد حسن/ مصر.

المدير العام:

صفاء عويسي.

تعليقات