القائمة الرئيسية

الصفحات

موتٌ سلبَ أنفاسكَ/ أبرار فتح التام.

 

أبرار فتح التام

اليوم الذي عدت فيه إلى المنزل غير مدركة بأن خبرًا سينزل على مسامعي كالصاعقة ، ضغطت على زر الجرس فُتِح الباب فدخلت ، لفحتني موجة كآبه ، حزن ربما و مع ذلك أكملت مسيري ناحية أمي ، صامتة على غير عادتها تحضر الغداء و إذ بأبي يتصل تجيب عليه بكلمات مختصره ومن ثم أغلقت الخط ، سألتها ما الذي يحدث ولما أبي سيعود في هذه الساعة ؟ إنها الواحدة ظهرًا وموعد عودته في الثالثة عصرًا ! نَظَرَتْ إليّ نظرةً فهمت أن ورائها طامة ، حاولت تمالك نفسي ترقبت حديثها و إذ بالحروف كالسنان على مسامعي أنا لم أخطئ الاسم إنه هو ! " استعدي ، وضبي المنزل سيقام العزاء في منزلنا للنساء " ، ذَهَبْتُ وتَرَكْت روحي مستكينه عند باب المطبخ تمامًا حيث سمعت حديث أمي ، تهافت الناس لمنزلنا قُرابة أسبوع كامل يعزوننا، دموع تُذْرَف حديث طويل عنه ، ذكريات تركها خلفه مع كل واحد كان يدخل عتبة بابنا ، بكى الصغير قبل الكبير ، صرخ من صرخ و بكى من بكى و أنا صامته ، ما زلت أنتظر أحدهم أن يوقظني من الكابوس الذي سمعته ، مازلت أنتظر أحدهم أن يخبرني أننا نمزح معك وهو بخير وعلى خير ، ولكن أين ذلك الشخص الذي أنتظره! لم يأتي أحد ولم يوقظني أحد ، أيامي تمر و أنا أخدع نفسي و أُخْبِرها أنه قد سافر وسيعود حتمًا ، أليست هذه كذبة الصغار بسفر جداتهم حين يتساءلون أين رحلوا فجأة ! كذبة كانت تلجم أفواههم من البكاء و لا يدركون أنها خدعة سوى عندما يكبرون بأن جدتهم رحلت دون عودة ، و أنا مازلت أصدق هذه الكذبة رغم أنني لست طفلة ! لقد وعدني كيف له أن يُخلف وعده ويذهب ، لقد وعدني بأنه سيَحْضُر حفل تخرجي ، لقد كان يزورني كل عيد و أراه أمامي بتلك الإبتسامة التي تشق وجهه وتثلج صدري لقد أحبه الجميع بمن فيهم الغريب ، و إذًا كيف له أن يُفْلِت يدي الآن و يتركني ، لم أبكي عليه لقد جَفّت مدامع عيني و تألم قلبي طيلة سنوات و إلى الآن أرى صوَرَه و أحدّثه بأن الفتاة التي أَخْبَرْتَها أنك فخور بها تخرجت و انتظرت قدومك ، و أجلس أمام النافذة بترقب أن تنزل من سيارتك وتلوح بيدك إليّ و لكن كان الموت أسرع مني في سلب أنفاسك " رحمك الله يا عمي " .


بقلم الكاتبة: أبرار فتح التام/ اليمن.

المدير العام:

صفاء عويسي. 

تعليقات