القائمة الرئيسية

الصفحات

بعد سنينٍ طِوال/ آية وليد سعد الدين.

آية وليد سعد الدين

صباحُ الخير ياصديقي ،لعلّكَ في أفضل حال! 

أُراسِلُكَ الآن لأُخبرك بما يجولُ في خاطري ويترددُ في فكري عند كُل كلمةٍ تُلقيها في محادثةٍ يوميّة ،وغالبًا ماتكون مجرّد محادثة عاديّة ،لكنّها الذكريات.

لرُبّما يستوقفني سؤالك العابر بل الذي تُلقيه أنت بِلا وعيٍ منك حتّى ،فتقول لي أثناء محادثةٍ روتينية باهتة:"ما الجديد؟" فأُجيبُك ب"لا شيء" 

لأنّه الجواب المناسب جدًا ،فلا أُريد أن أصبّ الحُزن في قوالب أفكارك وزوايا يومك، ماذا عساي أُجيبُك عن "الجديد" ؟ ،هناك كلُّ ماهو جديد والكثير من التغييرات فلا شيء يبقى كما هو ،الآن قد تعلّمتُ ذلك بعد سنين الطفولة والبراءة الطِوال ،أدركتُ تلك الحقيقة أيُّما إدراك! 

فمثلًا من الجديد  أن الشيخ الذي كان يقومُ بنا في رمضان قد أقعدهُ المرض وماعادت صحّتهُ تقوى على حمله ،فلم يحضر للإمامةِ بنا في شهر رمضان الذي مضى ولا أظن أنه سيفعل ذلك في رمضان القادم ،إنتقلت صديقتي المُقرّبة والتّي كنتُ أُمضي أغلب وقتي معها نمشي معًا حتى وقتٍ مُتأخر من الليل ونتحاور في كُل مايخطر في بالك يومًا _حتّى عن الرمان أو الليمون! _ ذهبَتْ إلى منطقة بعيدة عنّي جدًا ولم أعُد أراها إلّا في المُناسبات ونادرًا مانتحدّث .

المرأة الصبورة التي كانت تَعيش في ذلك المنزل الصغير والضيّق سافَرتْ هي وزوجها وأولادها بعد أكثر من عشر سنوات إعتدنا عليها فيهم ،فما عادتْ الطُرقات تضجُّ بصوت ضحكات أطفالها وأمسَتْ صاحبة الدُّكان التي كانوا يبتاعون الحلوى عندها طوال الوقت وحيدة ،وحيدة جدًا فأغلقت محلّها لفرط الهجر وكُبر الصمت فيه .

وتلك السيّدة الأربعينية التّي كانت مثالًا للفتاة البارّة بوالديها وقدوةً يُقتدى بها ،أصبح أبويها عبئًا عليها بعد تقدّمها في السن .

العجوز اللطيفة التّي كانت تبتسم في وجهي كُلّ ما رأتني وتُمطرُني بشتى أنواع الشوكولاتة قد توّفَت ْ منذُ سنوات بمرض السرطان ، وحفيدتُها الصغيرة التّي كانت تملأُ الدُنيا فرحًا وبهجة غدَتْ مُراهقة صامتة قليلة الظهور .

المرأة التّي كانت تُحدد موعدًا أسبوعيًا لإطعام جميع هرَّرة الحيّ هاجرت البلاد بسبب الأوضاع الإقتصاديّة السيئة فما عادت القطط تجدُ مَن يُطعمها ألذ الأطعمة من اللحوم والدجاج واتجهتْ نحو المرمي من بقايا الطعام .

صاحبُ الدُّكان المُجاور لمنزلي أصابه الطَمع بعد سنين الخير فما عاد أهالي الحيّ يبتاعون من عنده شيئًا ،أغلقَ الحلّاق متجرهُ بعد الأوضاع الإقتصاديّة الصعبة ...


أمّا أنا ،فتركتُ كُلّ شيءٍ ورائي وهاجَرتْ.


بقلم الكاتبة: ءآية وليد سعد الدين/ سوريا.

المدير العام:

صفاء عويسي.

تعليقات