أسير بين منازل حارتي القديمة ، ذلك الطفل الذي يلعب مع أقرانه بالكرة ، أذكر كم كنت أحب أن أراهم من شرفة منزلي أشجعهم ، ذلك منزل جارتي ما زال كما عهدته بلونه الأرجواني ، كم كنت أحب الشاي الذي تُعِدّه لي ، كنت أختلق الأعذار لأشربه مع قصصها التي تحكيها، ابتسامتها التي تسبب تلك التفاصيل الدقيقه على وجهها ، تفاصيل تحكي قصة سنوات طوال مرت بها ، معاناة و قسوة حياة و رغم كل ذلك لم تختفي ابتسامتها ورائحة الشاي المخمر من ذاكرتي تُرى كيف حالها الآن؟ ، سلمت على ساعي البريد الذي كان يوصل رسائلي فأعطيه كتابًا من مكتبتي الضخمة و يَعِدُني بأنه سيعيده حال فراغه من قراءته لأبناءه، لقد أثقل العمل كاهله و انحنى ظهره من شدة تعبه ، أوراق لم يعلم محتواها من عبارات سعيدة و أخرى حزينه كان يوصلها بكل شغف لعتبة كل منزل بعد أن يلوح بِيَده لهم ، منزلي في آخر ركن حارتي بلونه البني ، وقفت أتأمله بعد أن هجرته لسنين عجاف طويله ، من يسكن بيتي الآن ؟ جدرانه التي تحيط بذكريات طفولتي فيه ، لعبي مع فتيات الجيران و دروسي التي كنت أذاكرها تحت شجرة حديقتنا الصغيرة ، أذكر غرفتي بلونها الأبيض و دميتي التي تركتها خلفي ، صوت ضحكات عائلتي و حديث أمي مع جارتنا عبر شرفة العلية ، سُكان منزلي ، هل حافظتم على ذكرياتي الهادئة و كل تلك الرسوم المعلقة ، زهوري و شجرة التفاح التي تعبت في سقايتها كل يوم ؟ ، سُكان بيتي الجدد هل عاهدتم مالك البيت بالحفاظ على رائحة الخبز و الشاي ، هل تركتم طاولة الطعام على حالها تَلُم شملكم كما لمت شمل عائلتي ؟ أتمنى أن تصونوا الود كما فعلنا مع باقي جيراني و أطفال حارتي ، و تكتموا سر كل بيت من هذا الشارع كما كتمنا أسرارهم ومضينا ، وداعًا بيتي ، وداعًا بيت جارتي مع شايك المخمر ، وداعًا يا ساعيَ البريد ، وداعًا أطفال الكرة ، وداعًا شجرتي و ألعابي و رسومي ،وداعًا يا منازل حارتي ،وداعًا يا أنا الواقفة تلوحين بيدك الصغيرة لي وداعًا لكم جميعًا .
بقلم الكاتبة: أبرار فتح التام/ اليمن.
المدير العام:
صفاء عويسي.
تعليقات
إرسال تعليق