أرجو منك أيها الغريب اللطيف، أن تساعدني في الوصول إلى حلمي، أن تكون جزءًا من عالمي الصغير"
رأيكم بهمني جدًا."
الجزء الأول، بتمنى يعجبكم."
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
" إيلي".
يا لهُ من يوم شاق وطويل خِلتُ للحظة أنه لن ينتهي. سأكتفي الآن بأخذ قسطًا من الراحة لعلها تُعيد لجسدي بعضًا من الطاقة التي فقدها، مع آخر جلسة علاج لأجمل شخص أُصيب بثنائي قطب إلى هذه اللحظة.
أوشكت أن أصدق أنني سأنعم بالراحة لدقائق، وكيف ذلك بينما هذا الغبي جاك يُشاركني المنزل.
أيها الغبي الأخرق أين أنت؟ سأجدك حيثُ تكون إعلم هذا، لذلك كُف عن الإختباء خلف الستائر أيها الأحمق فقدماك الضخمتان أمام أنظاري، سأبدأ بالعد حتى ثلاثة وما أن أنتهي سأحرص على زيارتك للمشفى إحتياجًا لأطراف صناعية حتى تُعاود السير مجددًا.
_ أيتها القاسية البلهاء.
_سأريك مدى قسوتي حالًا.
أسرعتُ نحوه والشرار يخرج من رأسي وكأنه فريسة لا تُبالي بتلقي حتفِها على يدي، فهو ما زال مُختبئ
ولثوانٍ قليلة حتى صدح صوته في أرجاء المنزل من شدة الألم؛ إثر إلقائي الطاولة على قدميه.
جلستُ أُقهقِهْ على حاله وتلك الحركات الطفولية التي تعتلي وجهه مشيرًا بها لعدم وجود الرحمة بقلبي إتجاهه.
_على من تُشير بهذه النظرات جاك؟
_عليكِ طبعًا، وهل يوجد من يخلو من الرحمة في هذا المنزل غيركِ؟
_بئسًا لك، فلولا الضجيج الذي إفتعلته بموسيقاك الصاخبة تلك عندما علمت برجوعي من العمل، متعمدًا إزعاجي لكُنت قد إستمتعتُ بالنوم.
_أيتها الغبية، لقد إشتقتُ لكِ إنني لم أراكِ منذ عدة أيام؛ بسبب جلساتك العلاجية المكثفة، وأيا ليت أحدهم يقوم بعلاجكِ.
أطلتُ له لساني رافعًة حاجبّي علوًا على سخريته، وأخذني بين أحضانه ولم أشاكسه مرة أخرى، فأنا أيضًا قد إشتقت إليه كثيرًا في الآونة الأخيرة وإلى تلك السخافات التي يقوم بها ليُثير جنوني.
جاك صاحب العيون الخضراء، مفتول العضلات، حنطي البشرة، وشعره الأسود كالليل ما يزيده رونقًا. إننا نقيم معًا بعد أن سافرت جدتي تاركًة إياه بجواري حتى يحرص على رعايتي كما كانت تفعل بعد أن لقِيتْ عائلتي حتفها؛ إثر حادث إنقلاب على الطريق السريع. وأنا لا زلتُ لم أتجاوز الثمانية أعوام لتقوم برعايتي هيَ وخالي جاك أو بالأحرى رفيقَ روحي، الذي أتمَ عامه الخامس والثلاثون في نهاية أكتوبر.
________________________
______________________________
ها هوَ نهارًا جديدًا قد بدأ على صوت زقزقة العصافير ولأول مرة منذ فترة طويلة جدًا لم يكن على ضوضاء جاك، لا أعلم ما يحمله لي بين طياته بينما بدأ بشكل مختلف هذه المرة.
نزلت إلى الأسفل عبر السلالم على أطراف أصابعي حتى لا أوقظه فهوَ يستيقظ على أهون سبب ممكن، فأنا لا أملك من الطاقة ما يكفي لمُجابهته في هذا الصباح. وصلت إلى المطبخ وأعددتُ كوبًا سريعًا من القهوة لأعود متسللًة إلى غرفتي. أخذتُ اتأمل ما علي إرتداؤه فيبدو أن نسمات الهواء الباردة ستتحول تدريجيًا إلى بردٍ قارص، وبعد عناء ارتديتُ بنطال جينز عريض مع سترتي الرمادية التي ستفي بالغرض.
انطلقتُ على عجلة من أمري فقد تأخرت على العمل. ها هو ذا المبنى الضخم أمامي تملؤه النوافذ الزجاجية الداكنة، أسرعت بالدخول مُتخفيًة عنه حتى لا يقوم بتوبيخي كالعادة ولكن لا مفر إذ وبعد أن اخذتُ نفسًا عميقًا من الراحة ظنًا بأنني قد أفلتُ هذه المرة من قبضته، رأيته جالسًا على مكتبي حالما دخلت إلى غرفتي وبجواره تلك الساحرة التي على وشك تفجير قهقهة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات قادمة.
_ ألم أحذرك مئات المرات عن هذا التأخير؟!
_ إنني أعتذر، أعدك بعدم حدوث ذلك.
_ إنه الإعتذار السخيف الذي أسمعه في كل مرة، ما يزعجني أن هذا المبنى إزدادت شهرته بفضل مهارتك ولن أنكر ذلك، ولولا هذا الأمر فلن أجد ما يردعني عن رميك خارجًا في هذه اللحظة.
_ أتعلم أنني لن أجد مديرًا أفضل وأوسم منك أيها الفاتن العظيم، فوجهك الغاضب هذا يجب التخلص منه لأن الرجال الوسيمين لا يليق بهم سوا الابتسامة.
_ أيتها الماكرة.
وبينما أحاول أخذ نفسًا عميقًا لإخراج كل الضيق بعد أن خرج أخيرًا، حتى قطعه عليّ عندما أمال برأسه من الباب وإبتسامة لؤم تعلو شفتيه.
_ أود إخباركِ أننا سنعمل ساعة إضافية اليوم، لنرحب بالطبيب الجديد مارس إدوارد، لأرى خلال عمله هل سيأخذ مكانتك في قلبي أم لا؟!
_ حسنًا، وسأحرص على إخبار خالتي تيا عندما أتلقى منها إتصالًا، عن مهاراته ووسامته، لأرى هل ستغير رأيها إتجاهك أيها العجوز البائس.
_إيليا أيتها اللعوبة، إياكِ.
وأخيرًا استطعتُ أن أتنفس براحة وإبتسامة المكر تُزين ثغري، بينما رأيتُ أن الدم تدفق إلى وجهه ليصبح لونه كالكنزة الحمراء التي يرتديها.
__________________________________
إنغمستُ في العمل فقد أتاني مؤخرًا ملف تشخيصي لإحدى المرضى الذي يُعانون "هوس إكتئابي"، ويبدو أنه لم يتجاوب مع عدة أطباء مُتخصصين طوال فترات علاجه.
لم أعلم أن وقت العمل قد انتهى إلا عندما أتاني المدير، ليصطحبني معه للتعرف على مارس، فهوَ يعلم أنني أبغض ساعات العمل الإضافي ومن الممكن أن ألوذ بالفِرار.
ذهبنا سويًا، ورأينا أنه قد تعرف على بعض الأطباء والمُساعدين لنتقدم نحوه لإلقاء التحية عليه والتعرف كما أمرني المدير،
كان مُختلفًا مما يجعلني أُميزه فورًا من بين الجميع، بطوله الفارع ومنكبيه العريضين، بذلك الشعر الأشقر المُبعثر الذي يصل إلى مقدمة رأسه مما يجعل عيناه اللوزيتين تزدادانِ لمعانًا وغموضًا. وما أن إنتهيتُ حتى ذهبت إلى زاوية الغرفة بعيدًا عنهم فأنا لا أحب تلك الاجتماعات التي تنتهي بالنميمة بمجرد خروجهم من الغرفة.
رأيته يرمقني بنظرات غريبة بعض الشيء، ولم أعلم مغزاها أبدًا. إدعيتُ البرود على ملامحي بينما داخلي يستاءل عن حاله ذلك، هل من الممكن أن العجوز أفريدو أخبره شيئًا عني؛ أو أننا سنصبح منافسين في هذا المبنى؟!
لم أجد تفسيرًا، لذلك استأذنتُ الخروج فلا أريد أن اتأخر على جاك ولا بُد أنه ينتظرني لتناول العشاء كالعادة.
ذهبتُ إلى المنزل وكان جاك قد حظر المائدة، غسلت يداي وبدأنا بتناول الطعام بهدوء تام على غير العادة فداخلي يتخبط من مارس ذلك وغرابته. لحظات قليلة حتى بدأ الدم يتدفق في عروقي وأمسكتُ بالسكين وبدأت أطرق بها على الطاولة بغضب العالم أجمع، عندما سمعته يمضغ الطعام بصوت عالٍ حتى فقدتُ السيطرة على أعصابي وإنقضضتُ عليه لأنتف له شعره ليدوي صريخنا في أرجاء الحي كاملًا.
تركته خلفي بعد أن أفرغتُ غضبي به، وبدلت ملابس لأغُط في نومٍ عميق فأنا مرهقة إلى حدٍ كبير.
____________________________
_______________________________
نهضتُ بتثاقل على صوت تلك الرسائل، أمسكته ونظرت إلى ذلك الذي أيقظني قبل موعدي بساعة تقريبًا؛ وإذ أنها من المدير يخبرني بها أنه سيعمل على فصل غرفتي حتى يتسنى لمارس أن يحظى بغرفة خاصة به، نظرًا لأنني أملك أكبر غرفة مكتب في الطابق. لم أبالي بذلك فلم أعد أمضي الكثير من الوقت داخلها بسبب وجودي الشبه دائم مع المرضى في الغرفة التي خصصتها لهم بعد أن أجريت التعديلات اللازمة من ديكور وأثاث ليبعث لهم الطمأنينة.
أرسلت له بأنه يمكنه فعل ذلك للسيد الصغير المُدلل وهذا منذ اليوم الأول، لذلك لن أضمن مكاني في قلبك أفريدو.
نزلت إلى الأسفل وجلست قليلًا أمام التلفاز بعد أن تجهزت للخروج وأخذتُ كوبًا من مشروبي المُفضل لعله يطرد مزاجي السيئ بسبب ذلك المزعج منذ الصباح.
************************
تسيرُ بكل ما تحمله روحها من رِقّة، آهٍ على شعرها المموج الذي يصل لآخر طرف كنزتها الأُرجوانية الذي تُزينهُ بأقراط فضية صغيرة تجعلني أشتهي مُشاغلته بأصابعي.
أمشي خلفها بروية حتى لا تراني، أُطابق أقدامي على آثار أقدامها، إنني أرتسّمُ خُطاها بُكل تلك المشاعر الغريبة التي أُحاول كبتها داخلي.
وصلنا إلى مكان العمل ووقفتُ أمام المبنى أنظر إليها من بعيد حتى إختفت عن أنظاري، إنتظرتُ قليلًا قبل أن أدخل حتى لا يُفضح أمري.
بقلم الكاتبة: رناد خالد جناجرة/ الأردن.
المدير العام:
صفاء عويسي.
تعليقات
إرسال تعليق