القائمة الرئيسية

الصفحات

عاشقان تحت المطر | عامر بن الحبيب خضري | مجلة صفاء الروح.

 عاشقان تحت المطر

عامر بن الحبيب خضري
بَعْد نِصْفِ سَاعَةٍ مِنْ تَسَاقُطِ اَلْأَمْطَارِ أَصَابَتْنِي رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ فِي اَلْخُرُوجِ مُسْرِعًا إِلَى اَلْمَكَانِ اَلْمُعْتَادِ ،مَكَانٌ يَحْتَضِنُ ذَاتِيًّ وَيَحْتَوِي وُجُودِي ، بَعِيدًا عَنْ عُيُونِ اَلْبَشَرِ اَلْمُدَمِّرَةِ، فَاتَّصَلَتْ بِحَبِيبَتِي وَقُرَّةِ عَيْنِي وَاتَّفَقْنَا عَلَى اَللِّقَاءِ تَحْتَ ظِلَالِ شَجَرَةِ اَلتُّوتِ قُرْبَ اَلْبُحَيْرَةِ . . .

 

كَانَ اَلْجَوُّ رَائِعًا جِدًّا ، يَحْسُدُنَا عَلَيْهِ اَلْجَمِيعَ ، رَبُّما حَتَّى اَلْعَصَافِيرِ اَلَّتِي تُحَلِّقُ حَوْلَنَا أَوْ قَطَرَاتِ اَلْمَطَرِ اَلَّتِي تُلَامِسُ أَغْصَانَ اَلْأَشْجَارِ فِي اِسْتِحْيَاءِ شَدِيدٍ، كَيْفَ لَا أَصَابَ بِالْحَسَدِ وَأَجْمَلُ فَتَاةٍ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ جَالِسَةً بِجَانِبَيْ . . . يَنْقَطِعَ تَفْكِيرِي وَيَتَشَتَّتُ . . . كُلَّمَا نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَدْرَكَ أَنَّ عُيُونِي لَمْ تَرَى مِنْ اَلْجَمَالِ شَيْئًا وَأَنَّ مَشَاعِرِي غَرِيبَةٌ . . .

كَانَتْ مَعِي وَكُنْتُ خَائِفًا أَنْ يَأْتِيَ يَوْمًا لَا أَجِدُهَا فِيهِ ، خَائِفًا جِدًّا . وَكَانَتْ تَسْأَلُنِي دَائِمًا فِيمَا تُفَكِّرُ . . . فَأَبْتَسِمُ حِينَهَا وَأَتَظَاهَرُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ 

 

كَانَ طُولُ شِعْرِهَا يُغَطِّي نِصْفِي حِينَ تَضَعُ رَأْسَهَا عَلَى كَتِفِي وَكُنَّا نَتَخَاصَمُ عَلَى أَتْفَهَ اَلْأَشْيَاءَ ...

وَفِي اَلثَّامِنِ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ أُكْتُوبَرَ اِتَّصَلَتْ بِي ، كَانَ صَوْتُهَا لَا يَبْعَثُ عَلَى اَلطُّمَأْنِينَةِ وَأَلَحَّتْ عَلَى اَللِّقَاءِ فِي اَلْمَكَانِ اَلْمَعْهُودِ . . . كُنْتَ قَدْ سَابَقَتْ اَلْعَوَاصِفُ وَالرِّيَاحُ وَالزَّمَنُ إِلَى هُنَاكَ وَكُلِّيّ يَرْتَعِدُ خَوْفًا... تَرَى مَا هَذَا اَللِّقَاءِ اَلَّذِي بَدَا لِي غَرِيبًا عَنْ تَقَالِيدِ اَلْعَاشِقِينَ وَأَبْعَدَ ما يكون عَنْ جَبَلِ عَرَفَات

جَاءَتْ تَمَشِّي بِخُطُوَاتٍ مُثْقَلَةٍ كَأَنَّهَا تَحْمِلُ همْ اَلسّنِّيِّينَ وَأَوْجَاعِهِ وَحِينَ دِنْتْ منِيَ بِعَيْنَيْنِ دَامِعَتَيْنِ قَالَتْ لِي ، : لَقَدْ حَانَ وَقْتُ اَلْفِرَاقِ يَا حَبِيب قَلْبِيٌّ وَنُورُ عَيْنِي . . . 

قَلَّتْ : عَنْ أَيِّ فِرَاقٍ تَتَحَدَّثِينَ يَا نُور..

أَدَارَتْ ظَهْرَهَا لِي وَقَالَتْ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ : لَقَدْ أَرْغَمَنِي أَبِي عَلِي تَرْكِكَ وَالزَّوَاجُ مِنْ اِبْنِ عَمَّتِي صَالِحٌ وَقَدْ وَافَقَتْ بَعْدَ طُولِ عَنَاءٍ . . . وَافَقَتْ بَعْدَ أَيَّامِ مِنْ اَلضَّرْبِ وَالْمُعَامَلَةِ اَلسَّيِّئَةِ ،ثُمَّ إنَّ أَبِي قَالَ لِي إِنَّ لَمْ أَطِعْهُ لَنْ يَرْضَى عَنِّي فَمَاذَا تَرَانِي صَانِعَةً يَا نُورُ اَلْقَمَرِ . . . كُنْتَ أَسْتَمِعُ لَهَا دُونَ أَنْ أَلْقَى كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنْ فَمِي أَوْ حَرَكَةٍ مِنْ جِسْمِي ،رُبَّمَا حِينهَا كُنْتُ مَيِّتًا عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ ، جُثَّةٌ هَامِدَةٌ لَا رُوحَ فيها وَلَا صَوْت . . .

إِلَى أَنَّ تَمَالَكَتْ نَفْسِي قليلا وَقَلَّتْ لَهَا أَيْنَ اَلْوُعُودُ اَلَّتِي شَهِدَ لَهَا اَلْمَطَرُ وَالْعَصَافِيرُ وَالظِّلَالُ وَأَيْنَ اَلْحُبُّ تَحْتَ ضَوْءِ اَلْقَمَرِ وَأَيْنَ اَلْأُنْسُ بِي لِمَا دَمَعَتْ عَيْنَاكَ مِنْ اَلْقَهْرِ و أين... تَذْكُرِينَ يَا نُور . . . كَيْفَ تَتْرُكِينَنِي مَاذَا سَيَحُلُّ بِي حِينَ تَهْجُرِينَنِي . . . فَلَمْ تَرِدْ عَلِي إِلَّا بِكَلِمَاتِ مَا زَلَّتْ فِي أُذُنِي كَالصَّاعِقَةِ لَقَدْ قَالَتْ بكل برود : 

سَتَنْسَاُنِي يَوْمًا مَا وَاَللَّه مَا قَرَّرَتْ اَلْبُعْدَ عنك إِلَّا غَصْبًا فَقَدْ هَدَّدَنِي وَاَلَّذِي بِالْقَتْلِ إِذَا قَابَلَتْكَ مَرَّةٌ أُخْرَى وَأَنْتَ تَعْلم أَنَّ أَبِي رَجُلَا مُجْرِمٍ قَادِرا عَلَى فِعْلِ أَيِّ شَيٍّ " ثُمَّ رَحَّلَتْ . . .

 

رَحِيلاً تَغَيَّرَ مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ، لَمْ أَعُدْ أُبَالِي بِمَا يَحْدُثُ . . . كُلٌّ مِنْ يَرَانِي يَحْسَبُنِي مَجْنُونُ اَلشَّوَارِعِ  لقد مَاتَتْ اَلِابْتِسَامَةُ فِي دَاخِلِيٍّ وَ إسْتَوْطَنَ اَلْأَلَمُ جَوَارِحِي وَ كَانَتْ اَلصَّدْمَةُ شَدِيدَةً . مَنْ كَانَ يُعْتَقَدُ أَنَّ نُورًا تَتْرُكُنِي بَعْد سَنَوَاتٍ مِنْ اَلْعِشْقِ . . . " تَبًّا لِلْعِشْقِ إِنَّ كَانَ هَكَذَا " لَقَدْ رَأَيْتُ حَبِيبَتِي تَرْتَدِي ذَلِكَ اَللِّبَاسِ اَلْأَبْيَضِ وَهِيَ فِي غَايَةِ اَلْجَمَالِ . . . كَانَتْ سَعِيدَةً جِدًّا لَا أَثَر لِلْحُزْنِ عَلَيْهَا . . . حَقًّا لَقَدْ أَسْعَدَهَا مُجَرَّدُ لِبَاسٍ أَبْيَضٍ وَ بَعْضِ اَلطُّقُوسِ اَلتَّافِهَةِ هَلْ كَانَتْ تَخْدَعُنِي كُلُّ هَذِهِ اَلسَّنَوَاتِ ؟ هَلْ كَانَ حُبُّهَا لِي مُجَرَّدٌ مَسْرَحِيَّةً ؟ لَا . . . هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ  مازِلْتُ أَذْكُرُ أَيَّامُ اَلْوِصَالِ وَ كَيْفَ كَانَتْ تَمْسَك بِيَدِي ثُمَّ تَرْقُصُ تَحْتَ اَلْمَطَرِ . أَنَا حَقٌّ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِي . . . لَمْ أَعُدْ أَسْتَوْعِبُ أَوْ أَنِّي أَتَجَاهَلُ اَلْوَاقِعُ، لَقَدْ اِنْتَهَى كُلُّ شَيْءٍ وَ صَارَتْ زَوْجَةٌ لِرَجُلٍ يُدْعَى صَالِحٌ وَلَيْتَهُ كَانَ يُشْبِهُ اَلصَّلَاحُ فِي شَيٍّ . . . يَعْرِفُهُ اَلْجَمِيعُ بِإِجْرَامِهِ وَ تِجَارَتِهِ لِلْمُخَدِّرَاتِ، كُلَّ لَحْظَةٍ يَنْزِلُ فِيهَا اَلْمَطَرُ أَتَحَوَّلُ إِلَى عَاصِفَةٍ مِنْ اَلذِّكْرَيَاتِ . . . ذِكْرَيَاتٌ لَا تَجِدُ سَبِيلاً إِلَى اَلنِّسْيَانِ . وَ بَعْدُ مُرُورِ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ وَ فِي يَوْم مِنْ أَيَّامِ اَلرَّبِيعِ اِتَّصَلَتْ بِي نُورُ وَهِيَ تَبْكِي وَ طَلَبَتْ مِنِّي اَللِّقَاءُ فِي اَلْمَكَانِ اَلَّذِي نَسِيتُ فِيهِ نَفْسِي . . . كُنْتَ حِينَهَا لَا أَعْلَمُ أَيُّ خَبَرا عَنْهَا . وَافَقَتْ بَعْدَ طُولِ تَرَدُّدٍ . . . كَيْفَ أَسْمَحُ لِنَفْسِي اَلْعَفِيفَةِ أَنْ تُقَابِلَ زَوْجَةُ أَوْ رُبَّمَا تَكُونُ قَدْ صَارَتْ أُمًّا.

وَفِي اَلْغَابَةِ تَحْتَ ظِلَالِ شَجَرَةِ اَلتُّوتِ قُرْبَ اَلْبُحَيْرَةِ . وَلَكِنَّ قَلْبَ اَلْعَاشِقِ لَا يَتَحَمَّلُ بُكَاءً مِنْ أَحَبَّ

لَمْ أُسَابِقْ اَلزَّمَنُ كَعَادَتِي كُنْتَ أَمْشِي بِخُطُوَاتٍ هَادِئَةٍ تُشْبِهُ سُكُونَ اَللَّيْلِ وَ حِينَ وَصَلَتْ كَانَتْ هُنَاكَ بَدَأَ قَلْبِي يُخْفِقُ خَاصَّةً لِمَا قَالَتْ : كَيْفَ حَالُكَ يَا عَامِر ؟ قَلَّتْ : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ رَضِيَتْ بِقَدْرِ اَلْعَاشِقِ وَ رَغِيفٍ اَلْجَائِعِ وَ صَمْتِ اَلْحَلِيمْ وَ قُدْرَةُ اَلظَّالِمِ حِينِهَا أَجْهَشَت نُورٌ بِالْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَتْ : سَامِحْنِي يَا عَامِر  فواَللَّهِ مَا زَالَ حُبُّكَ فِي قَلْبِيٍّ كَأَوَّلِ يَوْمٍ اِلْتَقَيْنَا فِيهِ . . . لَا أُخْفِي عَلَيْكُمْ لَمُّ أَعْطِ لِهَذَا اَلْكَلَامِ أَيَّ اِهْتِمَامٍ وَوَاصَلَتْ فِي اَلْبُرُودِ أَوْ رُبَّمَا اَلتَّظَاهُرُ بِهِ . . . إِلَى أَنَّ أَخْبَرَتْنِي عَنْ سَبَبِ اَللِّقَاءِ اَلْمُحْزِنِ لَقَدْ وَقَعَ خِلَافًا بَيْنَ زَوْجِهَا وَ أَبِيهَا عَلَى صَفْقَةٍ لِلْمُخَدِّرَاتِ اِنْتَهَتْ بِمَقْتَلِ اَلْأَبِ

لِذَلِكَ هي اَلْآنَ تَطَلَّبَ مِنِّي أَنْ أَنْقَذَهَا مِنْ هَذَا اَلسَّفَّاحِ كَانَتْ خَائِفَةً جِدًّا . . . تُتْرُجَانِي أَنْ أَمْسَكَ يَدَهَا وَ نَرْحَلُ بَعِيدًا قَبْلَ أَنْ يَعْثُرَ عَلَيْنَا وَعِصَابَتِهِ . . .

تَحْتَ ظِلَالِ شَجَرَةِ اَلْحُلْمِ اَلزَّائِفِ أَدْرَكَتْ اَلْوُجُودَ بِمَعْنَى أَنَّكَ كُلُّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِي تِلْكَ اَلِابْتِسَامَةِ اَلَّتِي تُزَيِّنُ خَدَّكَ اَلْأَحْمَرَ وَذَلِكَ اَلْكُحْلُ اَلْمُدَلَّلُ عَلَى رِمْشِ عُيُونِكَ . . . وَتِلْكَ اَلْخُطُوَاتُ اَلْمُتَنَاثِرَةُ حَوْلَ أَجْنِحَتِي اَلْمُنْكَسِرَةِ أَجْنِحَةً عَانَتْ مِنْ اَلْغَدْرِ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةً أَيُّهَا اَلْحُبُّ اَلْأَبْلَهُ وَأَيَّتُهَا اَلْعَاصِفَة اَلَّتِي تُعْصَرُ قَلْبِي . . . رُحْمَاكَ بِعُيُونٍ اِشْتَاقَتْ وَقَدَّرَ مُزَيَّفٌ . . . أَجْلٌ لَمْ أَعُدْ ذَلِكَ اَلْقَوِيِّ اَلَّذِي يَتَحَدَّى لِأَجْلِكَ كُلَّ اَلْمَوْجُودَاتِ وَلَمْ أَعُدْ أَمْشِي فِي اَلطَّرِيقِ وَلِسَانِي يَسْبَحُ بِاسْمِكَ اَلطَّاغِي . . . هَلْ تَعْلَمِينَ أَنَّكَ طَاغِيَةً مِنْ طُغَاةِ اَلرُّومَانِ فِي اَلْعُصُورِ اَلْمَاضِيَةِ وَأَنَّكَ حَبْلُ اَلْمِشْنَقَةِ اَلَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْ رَقَبَتِي . . . اِرْحَلِي كَمًّا رِحْلَتِي وَإنَدْثَرِي أَلَّفَ سَنَةً أَوْ زَيْدِيّ كَأَصْحَابِ اَلْكَهْف . . . فَإِنَّكَ بَيَّنَ عُيُونِي مُفَارَقَةً وَأَمَامِي طَيْفٍ لَا وُجُودَ لَهُ هَلْ هَذَا اَلْإِحْسَاسِ مِنْ فَرَاغِ أَمْ أَنَّ قَلْبَكَ يَسْتَنْجِدُ مُنِيَ بَعْضًا مِنْ اَلْحَنِينِ . . . هَلْ صَمْتُكَ حَقًّا عِبَادَةً تَأْسِرُ جُنُونِي اَلْمُتَطَفِّلِ . . . اِبْتَسِمِي . . . أَجْلٌ وَلَوْ قَلِيلٍ وَتَخَيُّلِيٍّ أَنِّي حَبِيبُكَ

أيّتها العائدة بين الحلم و الحلم  من رحيل قدميك إلى عالمٍ غريبٍ عنك، ألم تكتوي بنارِ الفراق مرّة أم أنّك سيّدة الدّهرِ و سلطانة الطُّغيان، خاصمتكِ عشرون مرّة على جانب البحر و أدركتُ طول شعرك في مقتبلِ العمرِ  و كنت عاصفةً هادئةً أزاحت غبارَ الخذلان من بين عينيك و لكنّك حمقاءَ، غبيّة جدًًا،ترحلين مع كلّ ريح و تميلين مع كل شهوة و يبقى السّؤال الغريب في ذهني لماذا عدت من مقبرة 

الأحلام التّائهة و تتظاهرين بأنّك أجمل نساء الكون و أنّي الأميُر الّذي يستحقّك،

لقد أصبحَ الحليب كثيفًا و أصبح الجرحُ عميقًا أكثرَ فأكثر، فعودي إلى موطنك و يكفي من الأعذار التّافهة فقد سئمت...

كان الجلوسُ على شاطئ البحر مشهدًا عاديًّا جدّا و لكنّه سرعان ما تحوّل إلى أروع لحظةٍ في العمر بقدومك و كان ما بيننا من مشاعر عبارة عن ولادة من دون رحم،

فيا أيّتُها العائدة أرجوك لا تأتي مرة أخرى،  فِي هَذِهِ اَللّّحْظَةِ نَسِيتُ كُلُّ شَيْءٍ وَ عَادَتْ نَفْسِيٌّ إِلَى سَنَوَاتٍ كُنْتُ أَشْعُرُ فِيهَا أَنِّي سَيِّدٌ اَلْجَمِيعِ وَأَنْ نُورََ ملكٌ لِي وَحْدِي، مَسَكَتُهَا مِنْ يَدَيْهَا وَسِرّنَا نجْرِي تَحْتُ ظِلَالَ اَلْأَشْجَارِ هَارِبِينَ مِنْ قَدْرٍ أَرَادَ اَلْبَشَرُ أَنْ يَصْنَعُوهُ لَنَا، حَقًّا لَقَدْ أَسَأْتُ اَلظَّنُّ فِيهَا فَهِيَ أَحَبَّتْنِي بِصِدْقِ سَامِحَ اَللَّه أَبَاهَا اَلَّذِي فرّقِنَا تَحْتَ تَهْدِيدِ صَالِحِ اَلَّذِي كَانَ يَمْلِكُ أدلّةَ تَدَيُّنِهِ أَمَامَ اَلْقَضَاءِ،

فَكَانَتْ حَبِيبَتِي ضَحِيَّةَ مُجْتَمَعٍ خَسِيسٍ لَا يُؤْمِنُ بِالْحُبِّ . . .إنّه  لشيء جميل أن يأتي الرّبيع حاملًا معه ولادة الحب تحت سماء تونس، في لحضه نعجزُ فيها عن المقاومة و الدّفاع عن تلك الرّوح الّتي تسكنُ أجسادنا،

فتتشكّل  تلك الّصور الجميلة و تبدأ الخفقات الأولى تأسر العقل و تسكرُه من خمر الجمال.

أيّتها الأطياف الغريبة و أيّتُها الحمامة الّتي اختزلت كلّ فنون الإبداع الإلهي، إنّ شبابي قد تذوّقَ روعة الحياة فيك و إستسلم لخطواتِك المتناثرة حولي.

و أصبحتُ عريسًا لهواجسي و سجينًا لذلك اللّقاء

الأوّل.

ترى أين ذاتي الّتي طالما كانت حرّة في سكناتِها وحركاتها؟

و أين أنا من هذه المشاعر الّتي أحرقت الطبيعة و أزهرت مكانها؟

سيّدتي لا ملجأ لتائِه إلّا أنفاسُكِ و لا اكتفاء لشابّ أغرتْه الحداثةُ إلّا وجودك معه،

فلنرقصُ سويّا تحت ظلال الأشجار و لنعدم كلّ التّقاليد الزّائفة، مجرّد تقاليد لا تؤمنُ بالحبّ...

هاهي قطرات المطرِ تبلّل أرواحَنا و تطهّرُنا و هاهي تونس الجميلة شاهدةٌ على صدقِ مشاعرنا، تدعو لنا باللّقاء الدّائم و التّحرر من قبضة المجتمع التّافه.

أرجوك لا تتركينني... كيف لقلبين أحبّ بعضهم البعض أن يفترقا؟

إنّ هذا إنتحار!

انتحار الإنسانيّة بكلمة واحدةٍ،

كلمة أرغموا حبيبتي على نطقِها و استغلّوا براءتها و عدم قدرتها على قول لا... 

بكلمة واحدة سلخوا أرواحنا عن أجسادها و جعلوها سجينة تحاصِرُها زوايا الماضي الجميل و جحيم الواقع.

أبدًا لن يموتَ هذا العشق في داخلي و لو زوّجوها ألفَ مرّة و لن تهدأ مواجعي و الفراق يخيّم على سماء تونس،

أسأل ذاتي دائما ترى كيف مرّت اللّيلةُ الأولى؟

هل كانت عيناها جميلتين كما كنت أراهُما دائمًا؟

و في أيّ لحضةٍ احترقت فيها المشاعر فصرخٕ قلبي من شدّةِ الألم والحسرة

حقًّا لقد صارَ المجتمع أبكم،

اغتصبوها و اغتصبوا روحي المتمرّدة و حكموا علينا بمعانقة الأحزان و الدّموع الصّامتة.

أنا الآن أشتاق إليها و أحتاجها أكثر من أي وقتٍ مضى

أتذكّرُ كيف كانت جالسة أمام عيوني  و أنا كالمجنون أترقّبها ساعات طويلة

 

.حقًّا إن نار الحب الأول لا تنطفئ أبدا...

وَلِمَا قَارِبنَا عَلَى اَلْخُرُوجِ مِنْ اَلْغَابَةِ اِعْتَرَضْنَا اَلْمُجْرِمُ وَ عِصَابَتُهُ . كَانَتْ نُورًا تَرْتَعِدُ بَيْنَ أَحْضَانِي كَأَنَّهَا رَأَتْ شَبَحَ اَلْمَوْتِ ، حِينُهَا أَدْرَكَتْ حَجْمَ اَلْمُعَانَاةِ اَلَّتِي مَرَّتْ بِهَا لَيْتَهَا أَخْبَرَتْنِي وَ صَارَحَتْنِي مُنْذُ اَللَّحْظَةِ اَلْأُولَى ، كُنْتَ سَأُحَارِبُ مِنْ أَجْلِهَا لِآخَر رَمَقٍ فِي حَيَاتِي ،أَخْرَجَ اَلْمُجْرِمُ مُسَدَّسَهُ مِنْ جَيْبِهِ وَأَطْلَقَ رَصَاصَتَهُ عَلَى جِسْمِ حَبِيبَتِي ثُمَّ هَرَبَ لِتَقَعَ حِينِهَا عَلَى اَلْأَرْضِ، نَظَرَتْ لِي وَقَالَتْ : أُحِبُّكُ يَا عَامِر فَسَامَحَنِي وَ بَلَغَ سَلَامِي إِلَى اَلْجَمِيعِ مَا عَدّى قَطَرَاتِ اَلْمَطَرِ وَ فَارَقَتْ اَلْحَيَاةُ بِابْتِسَامَةٍ خَفِيفَةٍ . . . صَحَّتْ بِأَعْلَى صَوْتِيٍّ أَرْجُوكُ لَا تَتْرُكِينَنِي ! ! !

وَلَكِنَّهَا رَحَّلَتْ وَ بَعْد لَحَظَاتٍ أَحَاطَتْ بِنَا اَلشُّرْطَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لِأَجِدَ نَفْسِي مُتَّهِمًا بِقَتْلِ حَبِيبَتِي تَحْتَ المطر

 

من الحب الصادق إلى زنزانة السجن، تحولا عجيب، ربما هي لعبة القدر و إشتياق الأحزان لي،لقد أوشك عمري على سن  الثلاثون ، أدركت  فيه مفترقات الحياة، ومررت بتجارب على رصيف الأمل.

لم يكن الوفاء غريبا عن تفاصيل حياتي ففي الليل تحاصرني الذكريات بعنفوانها، بين الحقيقة والخيال ملحمة الشفق الأول، وبين عيونها الحلوة أستبيح دماء العشق...

ماضيا عنيدا عبارة عن كتلة من الضياع والتشتت، بين الفكرة والفكرة مسافات من الصمت وشعور بالحيرة.

أرض خلت من الوفاء تدفعني لأكون وفيا لذاتي.

ذاتي التي تحب مجالسة الصمت، وتستوطن الأمل برقصات ثائرة على الدوام.

لقد أحدثت صرخات الظالم والمظلوم نوعا من الوحي على مفكرتي العنيدة.

الوفاء شيء جميل جدا يا صديقي، هو مفتاح هدوء النفس ولحن الحياة الهادئة.

كم من مرة وعدتتني بأن تظل معي على شاطئ الحلم، نترقب قدوم الفرح ونعانق أفكار المستحيل، وعدتتني وهي في سكرات العشق تدندن بكلمات تعصف بمخيلة شاعر وتكتسح أقوى المماليك.

ولكن ماذا بقي من تلك الأحلام الناقصة، من منا الضحية ومن منا الجلاد. أو أن كلانا من ضحايا القدر، حقا إنها حرب بين الأحبة بعد خذلان استوطن ذاتي.

تبا للأحلام إن كانت هكذا و تبا العشق تحت قطرات المطر...

لقد انتحرت جميع الكلمات واستوطن الألم عيون الحاضرين وكنت من الذين يترشفون  كأس الندامة على لحن المواجع ويفضلون الموت بصمت.

استوقفت كل رحلاتي في الحياة ولم يعد بيني وبينها سوى قلمي.

أحيانا يدعمني وأحيانا يتمرد على ذاتي بأفكاره الغريبة، أفكار هي أقرب إلى الجنون من الحقيقة.

غبي وجاهل... لا يعلم أن الحياة حطمت كل أحلامي وسرقت مني أجمل الهدايا.

عجبا أيكون هذا كله من امتحان السماء!

ما زلت أتذكر غياهب السجن وعصى الجلاد، تحاصرني الذكريات بعنفوانها فيسرف الوجع في نهشي كلما طال بي العمر.

والشوق يا قلمي أصبح يهاجمني كالشهب في سماء العناق.

رحلت أمي، رحل أبي،رحلت نور  ورحلت معهم ابتسامتي البريئة.

لم أفق بعد  من غيبوبتي  ولا من عفويتي...

أريد الموت بين دهاليز الماضي خيرا من أقنعة الحياة وخذلان البشر

لقد إقتنعت تماما أنه  في داخل كل إنسان شاعر نائم..

كلما تألم إستيقظ ....

فمنهم من يأخذ القلم و يكتب

و منهم من يكتفي بالألم صامتا

و منهم من يملئ رئته بدخان السجائر

و منهم........

فقط كن شاعر يحترم ألمه.

 

بقلم الكاتب: عامر بن الحبيب خضري/ تونس. 


المدير العام: 


صفاء عويسي.


تحرير:


رؤى عماد.

تعليقات