إليكم، أنسجُ رسالتي الوِدِّيَّة -المَمزُوجة بفيضٍ منَ تباريحِ الأسَى- والتي أعرفُ أنّها لن تُغذِّي جائعًا منكُمْ أضناهُ الطَّوى، ولن تُلبسَ عارياً؛ نهشتْهُ مخالِبُ البرد القارس، ولن تَقتلَ عدوًّا غاشمًا؛ جثم على صدورِكم وتسلَّط على أرضكُم المباركة، ولن تُسْعف جريحًا؛ يلفظُ أنفاسَهُ الأخيرة مع الشهادة، ولن تواسِي أمًّا مَكلومة؛ افتدتْ زوجها وأبناءها في سبيل الوطن ولن تُطلقَ سراحَ سجينٍ شريفٍ؛ زُجَّ في غياهب السّجن ظلمًا وعدوانًا.
لكن لربّما تصادفُ هوىً في نفُوسِكم؛ فتشعرون أنّ لكم إخوة يألمون مِمَّا تألمون منه، ويشمئزُّون ما يحدث في حقّكم المصون، ويطأطئون رؤوسَهم عجزًا عن رفدِكم ومساعدتكم، ما لهُم من حولٍ إلا سلاحٌ -من ظهر الغيب- يُطلقون سهامهُ في جوف اللّيل، بهمساتٍ ربَّانيّة تفوحُ تضرُّعًا وتوسُّلًا أن يكلؤكُمُ اللهُ بحفظهِ، وأن يُطهِّر أرضَ أولى القبلتيْن ومسرى حبيبنا -صلى الله عليهِ وسلم- من رِجس المغضوب عليهِم، وأن يُؤيّدكم -عليهم- بنصر قريب.
لمَّا أستحضرُ شريط تاريخكم المفعم بالبطولة والتَّضحية والإباء، مائةُ عامٍ من المقاومةِ والنِّضال، ما تنازلتُم فيها عن شبرٍ من أرض المسلمين، وما كان منكمْ استسلامٌ ولا خضوعٌ ولا انقياد ولا مداهنة، بل كان شعاركم إحدى الحسنييْن "النّصر أو الشّهادة" فكم من مجاهدٍ استشهدَ منكم؟! وكم اغتيلَ منكم من بطل وشاعر؟! ذوداً عن بقعتهِ الشريفة ودفاعًا عن مقدّساتهِ الدينيّة؛ فما كان من مؤرّخي التاريخ إلا أن سطَّروا أسماءهم بماء الذّهب وخلًّدوا تضحيَاتهم بنفثِ الحبر، بدءاً بفاتحَا القدس عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيُّوبي ختاماً -في العصر الحديث- بالشاعر محمود درويش وتميم البرغوثي والرّوائي الفدائي غسّان كنفاني الّذي كرَّس قلمَهُ واستنزف طاقته لتحرير الأقصى، وهو القائل: "خلقتْ أكتاف الرجال لحمل البنادق" وكثيرٌ من أمثاله عسير أن يُحصر في سطور.
أنتم البقية الباقيةُ من أنفة العرب والمسلمين، الإيمانُ في قلوبكم ينسفُ الجبال الرّاسيات؛ فكيف لا يجابهُ قِردةً خسئينَ وحُبُّ الوطن يجري فيكم مجرى الدم في العروق، لم تساوموا ولم تطبعوا ولم تستكينوا، بل قاومتم ورابطتم وجاهدتم في اللّه حق جهاد، وليسَ بينكم وبين النّصر إلا قاب قوسينِ أو أدنى، فعليكم بالصّبر الجميل فعاقبتهُ محمودة وجزاؤهُ وفير، وأملنا في الله كبيرٌ أن نراهم عاجلًا غيرَ آجلٍ يخرُجون صاغرين ذلِيلين -من قدسنا- يجرّون أذيال الخيبةِ والخذلان،
قلوبنا معكم في القدس وفي الشّام قاطبة.
بقلم الكاتب: إسماعيل محمد الأمين المامي/ موريتانيا.
المدير العام:
صفاء عويسي.
تحرير:
رؤى عماد.
تعليقات
إرسال تعليق