هكذا ودعت أمي وأبي في أعماق البحار قبالة تركيا؛ بين كل قصة و أخرى مسافة أمان، تأخذ فيها قسطا من الحكمة
و فصل رسائل مغتربين ركبوا قوارب الموتِ فوصلوا آمنين.
أنا مهندسة ديكور ابنة وحيدة لأمي وأبي وأملك قطة صغيرة تدعى لوسي؛ في يوم ما من التفكير الدائم تعمقت بفكرة الهجرة بقوارب الموت فهو الحل الوحيد لتحقيق ماهو من طموحٍ في قلبي، كان لوالداي بعض المال كما بعت سيارة والدي لإكمال المبلغ، تجمعنا وجمعتنا ذكريات شتى في ذلك المنزل من الصغر لكبرنا، عندما بدأ العد التنازلي واقتربت منهما كمية الدفء والحنان تقولان لا تبتعدي لكن حقيقة هذا هو المستقبل الذي أرى فيه صورة والداي لتعتلي أدعية منهما راجيين طريق السلام والخير لي، لتضمني أمي لصدرها شعرت أن يداها وقلبها الصغير يعبران العكس لاتذهبي ابنتي ابقي معي، وتحاول في كل ثانية أن تلصقني بها كي للابتعاد وأسافر.
خرجنا من الجزائر اتجاها إلى تركيا وكانت صديقتي معي في طريقنا غفت قليلا لتستيقظ قائلة لي:«لقد نمت أنني في أرض خضراء لكن لستِ معي هناك»، ونحن في البحر تعطل المحرك، وبعد فترة أتى خفر السواحل التركي وربطو قاربنا بخيط سميك مع سفينتهم، كما أ
خذوا منا أموالنا هواتفنا وأشيائنا، بقينا حينها قرابة 7 ساعات دون ماء لنشرب، وبعدها وضعونا في قارب مطاطي لكن أنا وصديقتي الاخيرون، رمونا رميا بالقارب وادارو محرك السفينة بسرعة فتشكلت موجة قوية بثواني جعلتنا نغرق.
كنت متمسكة جدا بصديقتي لأجد نفسي أنني غرست أظافري بكتفيها، فتذكرت حينها عنان ودفء أمي وقلبها والعناق الذي كان يقول لا تبتعدي، ولا أريد أن تبتعد صديقتي مني بما أنها جزء الروح.
بنفس الوقت نظرنا مع بعض والنظرات تعبر عن ألف سؤال وحكمة، ومابينهما كلمة «سامحيني».
بقيت طوال الليل مكافحة وللموج ضاربة ولله داعية الخير وألف خير لي ومن معي، مكافحة من أجل روح أمي التي لم ترد أن تدمع أمامي، لأرى العالم من حولي يغرق، لكن لا لاتيأسي كافحي ياجميلتي، أتت موجة أخذت من حولي، لتأتي أخرى وتأخذ صديقتي أم الروح، ناديتها بعين دامعة وقلب يصرخ صديقتي لاتبتعدي عودي من أجلي، هناك من بكى وهناك من ندم على هاته اللحظة.
من بعيد أرى مركب انقاض أجر نفسي جرا كي أصل إلى ذلك القارب، لأجد نفسي أحملها روحا بروحٍ وأضعها بمأمن والحمدلله.
لأصرخ من ندمي، يالله روحٌ برقبتي انا من أردت أن أحقق أحلامي معها، خطى واحدة ثابتة لامتفرقة، يالله روحها معك فكن معي بخير وخير، ولأعود لأهلى على خير، فصحيح ذهبت لكن مكانك كفاحا من أجل العلم، فالجنة الخضراء بلقياك.
بعد شهر من كل هذا، لي منصب في شركة ديكور وتصميم، كما كانت لي منحة في ذلك البلد لأتمم دراستي، وإحضار والداي معي، كانت فرحة عارمة يومها بالمطار لاجتماعنا مرة ثانية وكفاحا لكم اعتليت ونجحت بفضل دعائكم، أدامكم تاجا لي.
بقلم الكاتبة: بلقاضي نسرين/الجزائر
المدير العام:
صفاء عويسي
تعليقات
إرسال تعليق