القائمة الرئيسية

الصفحات

أنا من حِمص/ آية سعد الدين.

آية سعد الدين

 كما قال الشاعر ، وكما أُردّدُ أنا دائمًا :

" أنا من حِمص ،رِفاقي كُلهم ماتوا 

بصمتٍ كُلهم ماتوا ،ومابقي على أرضي سوى أشلاءِ أطفالِ 

وبعض دِماء مَن كانوا " 


لا أدري ما الغريب بجُملة :"بصمتٍ كُلّهم ماتوا " 

أيّ ماجدوى الموت بالعويل أو الصُراخ أو المُناداة أو أيٍّ كان إن لم يكن هُناك مَن يُجيبُك ؟ وهل بقي لهم طاقة لكي يتهاتفوا ؟ 

لا أظنُّ ذلك ،فالعادية ، وكُلّ العاديّة أن يموتوا بصمتٍ بعد أن صرفوا ما تملاؤه أوعية حناجرُهُم من مُناجاة أثناء عمليّة وفاتهم ...

المُحزن في الأمر قولهُ " بعض دماء مَن كانوا " 

كأنّهُ أمرٌ عاديّ ، أو كبضعِ سنتات أخذها أحد الأطفال من والدهِ المعوّق ليشتري الشوكولاتة ويفرحُ بها كأنهُ إشترى ذهبًا 

والشوكولاتة في نفسهِ أغلى من الذهب ...

 


" وبيتي لم يَعُد بيتي ،فقد سكَنَتهُ بعدي خفافيشٌ وغربانُ "

كيف سيعودُ بيتي هو نفسهُ بيتي ؟ بعد كُلّ ذلك الدمار ،القصف ، التفجير في زوايا غُرَفِه ،كما تتفجّر الخيبات في قلب رجلٍ ذهب ليشتري اللُعبة التي أعجبت إبنه الوحيد من محلّ الألعاب بعد شهورٍ من العمل الشاقّ ،فوجدهُ مُغلقاً ، لا أعلم إن كان قد قُصف أيضًا أم أن أهل الحيّ هربوا من الموت لايُهم لكنّهُ مُغلق .

أخبرني يا سيّدي ،إن عانى إنسانٌ ما من عذابٍ نفسي لمدّة وجيزة هل سيبقى كما هو ؟ 

حتمًا لا ، إذًا فما بالُك بالبيت الذي عانى من هجر الأرواح والقصف والدمار ، وشَهِد على موتِ هاربٍ إختبأ بين طيّاتِ جُدرانه ؟! 


" وأهلُ الحيّ أين هُمُ؟ ومايُدريكَ يا منفيُّ أين هُمُ ؟ " 

كَوني لاجئ مُهجّر ،ذلك يعني أنّي أنا المنفيّ .

أهلُ الحيّ ياسيّدي قد ماتوا تحت التعذيب في ظُلُمات السجون مثلُهم كمثل أغلب أهالي الحيّ في نواحي البلاد ، أو أنّهم منفيّون مثلي ،لاجئون ،ذليلون 

وقدّ عانوا ما عانوه من رحلة التشرّد والهرب ..

وأخيرًا ،ربُّكَ أعلمُ يا سيّدي أينَ هُمُ .

بقلم الكاتبة: آية سعد الدين/ سوريا.

المدير العام:

صفاء عويسي.

تعليقات