كما قال الشاعر ، وكما أُردّدُ أنا دائمًا :
" أنا من حِمص ،رِفاقي كُلهم ماتوا
بصمتٍ كُلهم ماتوا ،ومابقي على أرضي سوى أشلاءِ أطفالِ
وبعض دِماء مَن كانوا "
لا أدري ما الغريب بجُملة :"بصمتٍ كُلّهم ماتوا "
أيّ ماجدوى الموت بالعويل أو الصُراخ أو المُناداة أو أيٍّ كان إن لم يكن هُناك مَن يُجيبُك ؟ وهل بقي لهم طاقة لكي يتهاتفوا ؟
لا أظنُّ ذلك ،فالعادية ، وكُلّ العاديّة أن يموتوا بصمتٍ بعد أن صرفوا ما تملاؤه أوعية حناجرُهُم من مُناجاة أثناء عمليّة وفاتهم ...
المُحزن في الأمر قولهُ " بعض دماء مَن كانوا "
كأنّهُ أمرٌ عاديّ ، أو كبضعِ سنتات أخذها أحد الأطفال من والدهِ المعوّق ليشتري الشوكولاتة ويفرحُ بها كأنهُ إشترى ذهبًا
والشوكولاتة في نفسهِ أغلى من الذهب ...
" وبيتي لم يَعُد بيتي ،فقد سكَنَتهُ بعدي خفافيشٌ وغربانُ "
كيف سيعودُ بيتي هو نفسهُ بيتي ؟ بعد كُلّ ذلك الدمار ،القصف ، التفجير في زوايا غُرَفِه ،كما تتفجّر الخيبات في قلب رجلٍ ذهب ليشتري اللُعبة التي أعجبت إبنه الوحيد من محلّ الألعاب بعد شهورٍ من العمل الشاقّ ،فوجدهُ مُغلقاً ، لا أعلم إن كان قد قُصف أيضًا أم أن أهل الحيّ هربوا من الموت لايُهم لكنّهُ مُغلق .
أخبرني يا سيّدي ،إن عانى إنسانٌ ما من عذابٍ نفسي لمدّة وجيزة هل سيبقى كما هو ؟
حتمًا لا ، إذًا فما بالُك بالبيت الذي عانى من هجر الأرواح والقصف والدمار ، وشَهِد على موتِ هاربٍ إختبأ بين طيّاتِ جُدرانه ؟!
" وأهلُ الحيّ أين هُمُ؟ ومايُدريكَ يا منفيُّ أين هُمُ ؟ "
كَوني لاجئ مُهجّر ،ذلك يعني أنّي أنا المنفيّ .
أهلُ الحيّ ياسيّدي قد ماتوا تحت التعذيب في ظُلُمات السجون مثلُهم كمثل أغلب أهالي الحيّ في نواحي البلاد ، أو أنّهم منفيّون مثلي ،لاجئون ،ذليلون
وقدّ عانوا ما عانوه من رحلة التشرّد والهرب ..
وأخيرًا ،ربُّكَ أعلمُ يا سيّدي أينَ هُمُ .
بقلم الكاتبة: آية سعد الدين/ سوريا.
المدير العام:
صفاء عويسي.

تعليقات
إرسال تعليق